في الفصول المتتالية للانهيار المالي والاقتصادي، تتكشف مستويات عُرضة اللبنانيين لجملة مخاطر تبدأ بتداعي القطاع الصحي والبيئة، وتنتهي بخطر المجاعة والحرب. نعي، نحن اللبنانيين، مدى الدمار اللاحق بالبلاد نتيجة تراكمات حكم هذه الطبقة السياسية، ذلك أنها ائتلفت وتوافقت في ما بينها ومع المافيات المالية والتجارية على تحويل الدولة ومقدراتها ومستقبل الناس ومدخراتهم، إلى حُصص تُوزع بالتساوي بينهم، وأحال بعضهم قرار الحرب والسلم وحتى السياسة الخارجية لدولة أجنبية
لعقود طويلة، كانت السياسة واستقطاباتها في خدمة مصالح نُسبت للطوائف وزعاماتها ومحاورها الاقليمية، لكنها أثرَت دوائر ضيقة جداً في السلطة الحاكمة بكافة مكوناتها وانقساماتها. شكلت أزمة تراكم النفايات عام ٢٠١٥ نموذجاً لهذا الواقع، إذ أعطى أقطاب السلطة الأولوية لتوزيع الحصص بينهم، لا إيجاد الأنسب بيئياً وصحياً للبنانيين. هكذا صنعوا جبالاً
وأنهاراً من القمامة حوّلت البيئة والمناطق السكنية الى أماكن موبوءة تُهددها الأمراض. وفي قطاعي الطاقة والاتصالات، هدرت المحاصصة عشرات مليارات الدولارات فاقمت الدين العام والوضع الاقتصادي حدة. وحدها هذه المصالح الضيقة
تصنع السياسة والانقسامات الداخلية، وحتى اصطفافات أقطاب السلطة وأحزابها في الصراعات الاقليمية. في نهاية المطاف، كانت نتيجة هذه السياسات على مدى عقود طويلة، دولة ضعيفة وموارد منهوبة ومهدورة، وشعباً مسلوب الحقوق، على رغم التضحيات في سبيل تحرير لبنان من كل احتلال أجنبي
من حطب هذا الانهيار، يُشعل أقطاب السلطة حرائقهم الطائفية بين الناس لإدامة نفوذهم. أي محاولة ولو خجولة لمحاسبة فاسد في القضاء، تستحيل سريعاً إلى مؤامرة للنيل من "حقوق طائفة". ذلك أن "الطائفة" في قاموس السياسة اللبنانية، باتت ركناً للقلق والخوف من الآخر في ظل دولة ضعيفة وفاقدة للقدرة على المبادرة إلا في حال اقتسام الموارد بين أقطاب الفساد. بحُجة ضعف الدولة وعجزها عن حماية اللبنانيين، استبيحت السيادة الوطنية ومبدأ حصرية السلاح بيد الدولة لصلاح سلاح يمتثل لاجندات دول خارجية، واصبح مغطى في البيانات الوزارية يُوقع عليه أقطاب السلطة، حتى من قبل المعارضين (في العلن) لهذا السلاح والقوة الداعمة له. وعجز الدولة هنا يبدأ من الأصل، أي مقاربة الحكم من بوابة المصلحة العامة والاستثمارات في الخبرات المحلية، وبناء نظام ديموقراطي يكفل تداول السلطة، ويمنع مراكمة الثروات على حساب حقوق المواطنين، ويفسح للحريات العامة
والخاصة في الازدهار لحماية التعددية
ضد هذه الممارسات انتفض اللبنانيون في ١٧ تشرين الأول. حملت الانتفاضة هذه الآمال بانتقال السلطة إلى جيل ما بعد الحرب، على أمل أن يُعيد الثقة في الدولة وقدرتها على إدارة شؤون اللبنانيين وحمايتهم ورسم مستقبلهم والارتقاء بهم اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وبيئياً وصحياً. على مدى العقود الماضية، لم تكن لدى اللبنانيين خيارات في الحكم وإدارة البلاد، وأحزاباً ديموقراطية تُبلور سياسات على أساس مصالح المواطنين وليس ضدها
من لدن هذه الحاجة، وُلد حزب تقدم. هدفه توفير بديل حقيقي لهذه السلطة ولنهجها، وإعادة بناء ثقة الناس بقدرتهم على التأسيس لمستقبل أفضل حيث يجتمع الاقتصاد المنتج والعادل مع الحفاظ على البيئة. ومن شأن تحصين مجتمعنا وتوفير بدائل حقيقية للناس من هذه الطبقة السياسية المتسلطة، أن يُعيد الثقة في الدولة وقدرتها، وحدها، على حماية شعبها دون تنازل لطرف خارجي عن القرار السيادي بالحرب والسلم أو أي قرارات وطنية أساسية أخرى
تقدم مشروع سياسي لبناء الدولة والمجتمع على أساس أولوية المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية، وانتشال البلاد من واقع مرير صنعته هذه الطبقة السياسية برمتها، ويدفع الناس أثمانه الباهظة من مدخراتهم ووظائفهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم.
في ظل الانهيارات المتتالية، ووسط صراخ السياسيين وتقاذفهم المسؤولية والاتهامات عما آلت اليه البلاد، بات لزاماً علينا كمواطنين قلقين على مستقبل شعبنا، أن نُبادر وننتظم لتوفير البدائل، ولصوغ مستقبل واعد يستحقه اللبنانيون.
هنا الأمل بالتغيير المنشود، هنا "تقدم"
أولاً | يهدف حزب "تقدم" إلى بلورة بدائل في السياسات والشخصيات في قضايا من شأنها النهوض بالإقتصاد اللبناني، وإرساء عدالة اجتماعية ودولة قادرة وحدها على حماية حدودها وشعبها. من شأن هذه المقاربة أن تُرسي عقد اجتماعي جديد أساسه حقوق الفرد والعلاقة المباشرة بين المواطن ودولته دون وسائط.
ثانياً | يرفض "تقدم" السلاح خارج الدولة، وتجيير سيادتها في السياسة الخارجية والحرب والسلم لأي طرف خارجي. ويقدر تضحيات كل لبناني قاوم إحتلالاً أجنبياً دفاعاً عن سيادة لبنان واستقلاله. ويُقارب التنظيم معالجة مشكلة سلاح "حزب الله" من بوابة تقديم نموذج مغاير في الحكم يُعيد الثقة في الدولة وقدرتها على حماية اللبنانيين من كل المخاطر الخارجية
ومن ضمنها العدو الإسرائيلي.
ثالثاً | يتبنى "تقدم" بناء نموذج اقتصادي انتاجي مستدام يحرّر المواطنين من التبعية الاقتصادية والعلاقات الزبائنية وتركز الثروات، وأيضاً يضمن العدالة الاجتماعية والأمن الغذائي للبنانيين. وفي موازاة تعافي الاقتصاد في هذه الاتجاهات، يرى "تقدم" ضرورة في تعزيز الخدمات العامة الأساسية وشبكات الأمان الاجتماعية، وضمان عدالة ضريبية ومالية وتوزيع عادل للموارد.
رابعاً | يتبنى الحزب سياسة بيئية تُقارب هذا الملف الحيوي للبنان من بوابتي حماية الطبيعة
والمناخ، وأيضاً إرساء حماية مستدامة لصحة اللبنانيين ومناطق سكنهم
خامساً | يعمل "تقدم" على صوغ خطة متكاملة لحل أزمة الطاقة، كأولوية في أي خطة إصلاحية
وطنية، بعدما أنهك القطاع الخزينة العامة بمليارات الدولارات من العجز
سادساً | يرى "تقدم" ضرورة في تفعيل الأجهزة الرقابية في الدولة من خلال تعيين مستقلين على رأسها.
تضم هذه الأجهزة "ديوان المحاسبة" و"التفتيش المركزي" (ومن ضمنها دائرة المناقصات) و"مجلس الخدمة المدنية".
سابعاً | وفي إطار إعادة الثقة في مؤسسات الدولة، يتبنى الحزب مشروع قانون "استقلال القضاء العدلي وشفافيته" الذي أعدته "المفكرة القانونية"، ويضمن انتخاب القضاء من داخل الجهاز، وليس تعيينهم سياسياً ضمن سياق المحاصصة. من شأن هذا القانون أن يُعزز استقلال القضاء بعيداً عن تدخلات السياسيين وضغوطهم
ثامناً | سيعمل "تقدم" على تفعيل العمل النقابي، إما الموازي في مواجهة الهياكل النقابية التي يُسيطر عليها أقطاب السلطة
وأفرغوها من محتواها، أو من خلال المنافسة من الداخل كما حصل في نقابتي المحامين والمهندسين
تاسعاً | يُؤمن "تقدم" بضرورة توزيع "ثمن" الانهيار المالي والاقتصادي الحالي بشكل عادل، من خلال ضرائب على أرباح فوائد الودائع المرتفعة، وإعادة جدولة الدين العام، واستعادة أملاك الدولة وأموالها المنهوبة ومحاسبة الطبقة السياسية الفاسدة على ما اقترفته بحق اللبنانيين خلال العقود الماضية
عاشراً | يُطالب "تقدم" بخطوات حثيثة تجاه تعزيز دور المرأة ووضع حد لكافة أشكال التمييز ضدها وإقرار جميع حقوقها. في السياسة اللبنانية، على مجلس النواب فرض "كوتا" تضمن شغر اللبنانيات ربع المقاعد على الأقل في أي انتخابات مقبلة. ويدعم "تقدم" مشاريع قوانين حماية المرأة من العنف الأسري، والزواج المدني الاختياري، ورفع سن الحضانة في المحاكم الدينية
أحد عشر | على الدولة أن تضمن للمواطنات وللمواطنين الحقوق والحريات الفردية والعامة من خلال التشريعات والممارسات القضائية والأمنية. يتضمن ذلك إقرار قانون عصري للاعلام، ومنع مثول المواطنات والمواطنين في قضايا الرأي، أمام الضابطة العدلية، ووقف ملاحقة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية للصحافيين والمدونين على خلفية منشوراتهم
اثنا عشر | يدعم الحزب مبادرات تسعى الى تحديد صلاحيات المحاكم العسكرية لناحية حصرها بالعسكريين، وإلغاء كافة أنواع الرقابة المسبقة على الأعمال الفنية والإبداعية وضمان حرية انشاء النقابات والتظاهر دون إذن مسبق
Copyright © 2023 TAQADDOM - All Rights Reserved.